رأفت السويركي

من زلزال "إرهاب سبتمبر 2001"... إلى زلزال "إرهاب كُوْرُوْنَا 2020

إن ظاهرة تعميم حالة الإرعاب بـإرهاب "فَيْرَسَة العالم" عبر "كورونا"، والمهيمنة راهناً بامتداد ساعات اليوم في أطراف الأرض كلها؛ ينبغي أن تُذْكِرْنَا بواقعة تفجير "برجي التجارة" في نيويورك المسماة "هجمات 11 سبتمبر/ أيلول2001م"؛ والتي أُعْتُبِرَتْ أنها الزلزال الذي أحدث تغييرات هائلة، شملت العالم كله على كافة المستويات الجيوسياسوية والاقتصادوية والإعلاموية.

إذ قام النظام الأميركي بأجهزته العميقة وقتئذ برئاسة "جورج والكر (دبليو) بوش" ليكون المُسْتَصْنِع "الحقيقي/ الخفي" لها – بعيداً عن نظرية المؤامرة – مُوْظِّفَا "عناصر/ أي فيروسات بشروية" استصنعها في "معامل/ جبال ومغارات" أفغانستان؛ وجرت تربيتها في إطار استراتيجية مواجهة الدولة الشيوعية الروسية آنذاك، مستفيدة من بيئة الفهم المريض للعقيدة السمحاء عبر تحريض وتجهيز تيارات الغيبوبة المنتسبة كذبا للإسلام السياسوي (ابن لادن والظواهري أنموذجا) لمواجهة الشيوعية من منظور أنها إلحادية!

*****

وبعد إنجاز المهمة ببراعة؛ ووقوع تلك التيارات في وهم المخادعة بأنها صارت تمثل قوة حقيقية بدأت هذه الفيروسات السياسوية من البشر النشوز عن النسق الأميركي المنضبط لها (القاعدة وداعش أنموذجا)؛ تم نحت اصطلاح توصيفها بـ "الإرهاب"؛ والذي راج اصطلاحاً سياسوياً مستحدثاً، وليكون تعبيراً عن أداة جديدة من أدوات التدمير الحديثة؛ يلعب بها ولا يزال النظام الرأسمالوي السياسوي المهيمن عقب انتهاء مرحلة الحروب الباردة؛ ويوظفها إقليمويا راهنا في المنطقة الحافة بالنفط والغازات والثروات والممرات الاستراتيجاوية.

ولأن تجميع الثروة وتحقيق الربحوية هو المحرك الأساس المضمر لكل السيناريوهات السياسوية؛ فمع "تناقص/ كمون" استراتيجيات الحروب العسكريتارية بما تسببه من تدمير هائل للبني المادية للمجتمعات؛ صار يتنامى التوجه لإحلال البدائل المناسبة لنهج العولموية؛ تحقيقاً للحفاظ على بقاء البُنَى الأساسية في المجتمعات مع استهداف جموع البشر هدفاً؛ ليس لقتلهم ولكن لاستغلالهم في الارتفاع بمعدلات الاستهلاك الدوائوي للعلاج؛ أي ما يرفع المستويات الربحوية الهائلة حفاظا على الصحة العولموية.

*****

وهكذا تبدأ البدائل الاستراتيجاوية للرأسمال العولموي الأميركي تحديداً في البروز والتوظيف والتصاعد؛ وبذلك تمثل "الحروب البيوجولوية الصامتة" بالفيروسات هي "الزلزال الثاني" المناسب والمتوافق مع مناخات العولموية (نشر وباء فيروس كورونا أنموذجا)؛ بما ينذر ببدء انتقال المجتمع الإنسانوي مستقبلويا إلى تلك النُقلة النوعية الجديدة من حروب المخادعة الناعمة والمخيفة.

إن كل ذلك يتم في إطار استصناع البيئة العولموية المناسبة؛ لتواصل توليد العوائد الربحوية المخيفة بما يحقق مستهدفات الرأسمال العولموي، وفي الوقت ذاته ليس هناك ما يمنع من التوظيف السياسوي لهذه الأسلحة الجديدة بالفيروسات والميكروبات في إنهاك أو تحطيم اقتصادات الخصوم مستقبليا على وجه الاحتمال عبر ابتكار سيناريوهات وأنماط مستحدثة من تلك "الصراعات أو الحروب البيولوجوية".

لذلك فإن مسلك الصراع البيولوجوي المستحدث الراهن وفي المستقبل... هو الذي سيمثل الشق الثاني من استراتيجيات "صراعات العولمة السياسوية"؛ وهذا المسلك النوعوي متماه في الوقت نفسه وغير منفصل عن غرضيات ذلك النمط التقليدي القديم بإثارة القلاقل النوعية، والصراعات العسكريتارية التقليدية؛ فكلاهما يجمعهما نسق واحد؛ ومحركهما موحد هو نهم وتوحش الرأسمال العميق للأرباح.

إن هذا المحرك الصانع كان هو ذاته الذي يقوم على توجيه الإنفاق الهائل للتأسيس الصراعاتوي بالحروب والنزاعات مع الآخر "المغاير/ والمنافس" سياسويا؛ لكي يتحرك "الاقتصاد/ الاستثمار" الخاص في صناعات الأسلحة الردعوية المدمرة؛ والتي اكتفت بالتدفق راهنا للساحات الإقليموية المرتبطة بدورات التقاتلات المحدودة (سوريا وليبيا واليمن والصومال)؛ وكلما حدث التباطؤ في حركة هذه الاحترابات المحدودة؛ يتحرك هذا الرأسمال العولموي عبر أدواته السياسوية (أنظمة وجماعات) لفتح قنوات جديدة توظف لتوليد الثروات.

إن متغير تباطؤ حركة الاكتناز الثرواتي من صناعات الأسلحة بمحدودية الصراعات العسكريتارية؛ يفرض البدء بتنشيط "الحروب البيولوجوية" تحريكا للأموال العولموية في قنوات اقتصادات صناعات الأبحاث وإنتاج الدواء وبرامج العلاج؛ وهي اقتصادات هائلة الحجوم؛ لأن أسواقها الاستهلاكوية واسعة المساحة بحدود الأرض.

لذلك فزلزال "الفيرسة العولموية" الراهن المسمى بـ "كورونا" يمثل أنموذجا كاشفا مهما لنهج المخادعة العولموية؛ عبر ترويج التهديد المضخم والتركيز على اجتياحها العالم؛ لتولد رعباً مضاعفاً غير مسبوق في هذه الدورة الزلزالية؛ والتي ستمهد في النهاية عقب التوصل إلى العلاجات المناسبة لتحصيل مليارات الدولارات، وكلها ستتدفق في عروق حسابات الرأسمالوية العولمية النوعوية المتمركزة احتكارويا في صناعات الدواء والعلاجات؛ مهما كانت مواطن حساباتها أو هوياتها؛ في الشرق أو الغرب؛ أو الشمال أو الجنوب.

*****

النزاعات العسكريتارية العنيفة – في صورتها القديمة – كانت تحدد طبيعة ضحاياها؛ فقتلاها يكونون من الجنود والمقاتلين في الجيوش المتصارعة؛ بتعدادهم غير المطلق؛ لكن السيناريوهات البيولوجوية المضمرة للصراع الربحوي تتميز باتساع دوائر وأعداد ضحايا الوبائيات من البشر في كل بلدان العالم؛ والتي يكون المتهم فيها كائنات دقيقة "فيروسوية".

وهذه الصورة ينظر إليها في شرقنا الإسلاموي في إطار غيبوبويته الفكرانية ضمن حقل الابتلاءات السماوية المقدرة للخلق؛ أي ما يحرف الفهم الإنسانوي عن جادة التفكيرالجاد في نتائج أنماط هذا التصارع الرأسمالوي الخاص بتعظيم الربحوية والعائدات الرأسمالوية الملياراتية. لذلك ينبغي الاهتمام بدراسة دوافع السيناريوهات العولموية لـ"اقتصادات الأوبئة" وعلاجاتها؛ وكوامن دوافعها السياسوية النشطة في الخلفية (فيروس كورونا أنموذجا)!

إن الظاهرة الإعلاموية العولموية الخاصة بـ "وبائية الكورونا" ليست فعلاً بريئاً إلى حد كبير؛ لأنها في المحصلة تحقق ضرباً للاقتصاد النمطوي المهيمن أكثر مما تضرب الأجساد (الخسائر المالية الكبيرة مقابل أعداد الموتى المحدود بالفيروس أنموذجا)؛ ويكفي أن هذه الظاهرة الطارئة تُجهد ميزانيات الدول جميعها في العالم وتضربها في مقتل؛ بما تتخذه الحكومات من إجراءات اضطرارية خاصة بإبطاء حركة دواليب العمل، وتحجيم الانتقال الداخلي وصولا إلى منعه في ساعات طويلة، وإيقاف عمليات السفر الخارجي (ضرب اقتصادات النقل الطيران)، وتجميد صناعات السياحة والترفيه على سبيل الوقاية من تأثيرات القتل بالوبائيات.

البعض قد يستنكر هذا التصور في الرؤية بإعادة النظر إلى تلك الظاهرة العولموية الجديدة في الصراعات؛ ويحاول فك ارتباطيتها الإدماجوية في نمطوية الحروب العولموية الحديثة؛ ولكنه يهمل التفكر بالنفي في تحول هدف الهيمنة البديل من الاحتلال المباشر للأراضي والأوطان ومواقع الثروات وانتهابها؛ إلى الاستغلال غير المباشر بدعاوى التعاون والتوافق والمشاركة؛ وتوسيع الأسواق وتحقيق غاية الانتاج الكثيف؛ فالعالم كله سوق واحدة أمام الرأسمالوي العولموي.

وهذه الاستراتيجية الجديدة محكومة بالبقاء تحت مظلة السلام العولموي وكذلك المبادرة للتعاون المشترك. (مخادعة التوافق "الأميركي الرأسمالوي الخاص" و"الصيني الرأسمالوي الحكوماتوي" أنموذجا).

والإثبات بالقراءة التفكيكوية يتكشف بما أعلنه دونالد ترامب مؤخرا عن الاستعداد الأميركي للتعاون مع الصين في حل مشكلة هذا الفيروس؛ متراجعا عن تصريحاته الاتهامية للصين؛ فيما أعلنت الصين استعدادها لمساعدة الولايات المتحدة الأميركية؛ وتعزيز التعاون معها بشأن مقاومة الفيروس بعد معارك كلامية حامية الوطيس.

والمنطق يقول: أن هذه الحالة تؤكد ذلك النهج الرأسمالوي العولموي الذي لا يهتم بغير الاستفادة من الأرباح المذهلة بعائدات مبيعات الدواء الخيالية؛ والمتناسبة مع عولمة نشر وانتشار الفيروس؛ وبالتالي عولمة ترويج العلاج فامتصاص مليارات الدولارات من أثمان بيعه للعالم كله؟

وبذلك فإن الإعلان المفاجئ الجديد عن التعاون المشترك بين الصين والولايات المتحدة الاميركية يؤكد اللعبة العولموية التي تدور هذه التدوينة حولها. فقد اتهمت أميركا الصين سابقا في إطار تنافسهما العولموي بنشر الفيروس؛ وأطلقت عليه مسمى "الفيروس الصيني"، فيما الصين نفسها كانت اتهمت الولايات المتحدة بتخليق الفيروس في معاملها البيولوجوية التابعة للجيش الأميركي ونشرته في مدينة ووهان بجنودها المشاركين في الدورة العسكريتارية هناك.

ومع امتلاك الصين المشهود لخبرات تطويق الإصابات ب "كورونا" والتميز بآليات مواجهته؛ تأتي الولايات المتحدة الأميركية التي تعد صاحبة أعلى معدلات الإصابة الفيروسوية للتلميح بوصولها إلى العلاج التجريبي قريبا؛ وهو ما قد يعني أن ذلك الإعلان عن اتفاق التعاون يمثل حدوث التوافق السياسوي بين الطرفين العولمويين على لملمة شقة التفارق؛ بدافعية تعميق استفادة الرأسمال العولموي من الزلزال الفيروسوي الجديد.

والمعروف أن الصين تمتلك حصة كبيرة من هذا الرأسمال العولموي؛ إذ ستقوم أو يقوم الطرفان بتقديم علاج مشترك مدروس (صيني أميركي) ليحصل على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)؛ بعد أن تكون تمت تجربته في الصين نفسها والوثوق من نتائجه. وليهيمن ذلك الانتاج المشترك والمعتمد أميركيا على أسواق العالم؛ وربما يتم تصنيعه في الصين مع منح امتيازات التصنيع لأميركا؛ حيث ستشتريه دول العالم كلها مضطرة تحقيقا لإيقاف مقتل مواطنيها بفيروس كورونا!

*****

والسؤال هو كيف سيتحقق ذلك المأمول الرأسمالوي العولموي بزلزال الإرهاب الفيروسوي "كورونا" لضمان حدوث اتساع السوق بما يوفر فرصة نهش أموال دول العالم؛ وتدمير الاقتصادات الناشئة؛ وهز ثبات الاقتصادات العميقة... بهدف تطويع أنظمتها السياسوية وتحقيق مستويات أعمق من الهيمنة عليها... المزيد من جهد القراءة التفكيكوية في "الحلقة الثالثة".


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).